قنبلة صغيرة يحملها الطيار يمكن لصوتها تحديد موقع الطيار من آلاف الكيلومترات ..!!

قنبلة سوفار sofar bomb  Sound Fixing And Ranging bomb
قنبلة صغيرة يحملها الطيار في الحرب العالمية الثانية ضمن معدات الطوارئ المزود بها .. يمكن لصوت انفجارها تحديد موقع الطيار في حال سقوط طائرته في المحيط .. من آلاف الكيلومترات ..!!
 
هذا حقيقي .. و لكن الابداع ليس في صنع القنبلة .. بل في اكتشاف وجود قناة صوتية في عمق مياه المحيط يمكنها نقل الصوت الى آلاف الكيلومترات .. تعرفها الحيتان قبلنا بملايين السنين و تتواصل فيما بينها من خلالها من آلاف الكيلومترات ..


لنتعرف بدايةً على القناة الصوتية .. و نعود الى القنبلة بعد ذلك ..

تختلف سرعة الصوت في الهواء عنها في الماء .. حيث تنتقل الموجات الصوتية بشكل أسرع في الماء .. اذ تبلغ سرعة الصوت في الهواء عند درجة حرارة 18 درجة مئوية 341 متر في الثانية .. و تبلغ سرعة الصوت في المياه المالحة عند نفس درجة الحرارة تقريباً حوالي 1524 متر في الثانية .. (اي حوالي 5 اضعاف سرعة الصوت في الهواء) ..


بالمناسبة .. في المياه لا يسمع الانسان من خلال غشاء الطبل .. بل من خلال عظمة خلف الاذن و من خلال نسيج الرأس كله .. حيث تتيح السوائل في رأسنا التقاط الصوت تحت الماء دون الاعتماد على طبلة الأذن .. و لن تختلف شدة الصوت اذا سددت أذنك تحت الماء عمّا اذا تركتها مفتوحة .. و لا يستطيع الدماغ البشري تمييز اتجاه الصوت تحت الماء .. لانه تعود على استخدام الأذنين في التمييز بين فرق شدة الصوت و توقيته عبر كل أذن لاستنتاج مصدر الصوت .. و لأن الصوت ايضاً اسرع بكثير في الماء عنه في الهواء .. (و لكن يمكنه ذلك بعد تدريب) ..


تتأثر سرعة الصوت في مياه المحيط بعوامل درجة الحرارة و الضغط و درجة الملوحة .. حيث تزيد سرعة الصوت مع زيادة الحرارة و الضغط و الملوحة .. (و لكن الملوحة في المحيط متقاربة لذا تأثيرها ضئيل و لكنها اكثر تأثير في المياه الضحلة) .. 
 

تكون سرعة الصوت عالية قريباً من السطح .. لان درجة حرارة المياه تكون مرتفعة نتيجة تعرضها لاشعة الشمس .. و تنخفض سرعة الصوت كلما اتجهنا للعمق مع انخفاض درجة حرارة المياه .. حتى تصل درجة الحرارة الى قيم ثابتة عند عمق معين .. (عامةً تكون حرارة مياه المحيط 2 درجة مئوية على عمق اقل من 1000 متر) .. و عند ثبات درجة الحرارة يصبح الضغط العامل الأكثر تأثيراً على سرعة الصوت .. حيث تزداد سرعة الصوت مع زيادة الضغط كلما زاد العمق ..

Underwater speed of sound - SOFAR channel

عندما يواجه الصوت أو الموجات الصوتية .. منطقة ذات سرعات نقل مختلفة بسبب تأثير عوامل الضغط و درجة الحرارة (و بدرجة اقل عامل الملوحة) .. فإن الموجات الصوتية ذات التردد المنخفض تميل إلى الانكسار أو الانحناء نحو المنطقة ذات السرعة المنخفضة .. و لهذا ستبقى الموجات الصوتية ذات التردد المنخفض محاصرة في تلك المنطقة تنتقل عبرها الى آلاف الكيلومترات بأقل قدر من التأثر بعوامل التبدد .. و تسمى هذه الطبقة بـ قناة SOFAR او قناة الصوت العميق .. و محورها هو نقطة العمق التي يصبح فيها الضغط هو العامل الاكثر تأثيراً على سرعة الصوت .. و في محورها يكون الصوت بأدنى سرعة له في مياه المحيط ..

(يعني تنتقل الموجة الصوتية ذات التردد المنخفض في قناة SOFAR مرتدةً او منكسرة باستمرار بين الطبقتين السريعتين - اعلاها و اسفلها- .. و تكون السرعة في هذه الطبقة هي ادنى سرعة صوت في مياه المحيط .. و هي قادرة على الوصول الى آلاف الكيلومترات بأقل قدر من تبدد شدة الصوت) ..

Underwater speed of sound - SOFAR channel Sound Fixing And Ranging
شكل توضيحي لقناة SOFAR و كيفية ارتداد الموجات الصوتية بين طبقتي المياه ذات السرعة العالية لانتقال الصوت .. ذات الحرارة العالية في الاعلى و ذات الضغط العالي في الاسفل .. و في محور القناة على عمق 750-1000 متر تكون سرعة الصوت في المياه في ادنى قيمها 1000 متر في الثانية ..
هذه القناة الصوتية اكتشفها العالم الامريكي Maurice Ewing قبل نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1944 .. عندما قام بإجراء تجربة تفجير قنبلة تزن اقل بقليل من 2 كغ .. تم انزالها على عمق محدد تحت سطح البحر .. و على مسافة 1500 كم من تلك السفينة كان يوجد سفينة مختبر صوتي مع هيدروفونات تم انزالها الى  نفس عمق التفجير .. بعد تفجير القنبلة اندفعت الموجات الصوتية للانفجار عبر القناة الصوتية و التقطتها سفينة المختبر من مسافة 1500 كم بشكل موجات متتالية متصاعدة الشدة الى ان تصل الى الموجة الصوتية الاعلى في نهايتها (تسمعون صوت حقيقي في الفيديو ادناه) .. و اطلقوا على هذه القناة Sound Fixing And Ranging SOFAR .. (و بعده بسنتين اكتشفها العالم السوفييتي Leonid Brekhovskikh) ..

(نفس العالم الامريكي Maurice Ewing كان طور بعد الحرب العالمية الثانية مشروع سري لسلاح الجو الامريكي بإسم Mogul هدفه التجسس الصوتي على سماء الاتحاد السوفييتي من آلاف الكيلومترات من خلال بالون يحلق على ارتفاع عالي مزود بمستشعرات صوتية بغرض كشف اي تجارب نووية يقوم بها السوفييت من خلال الموجات الصوتية التي تحدثها التفجيرات النووية و التي تنتقل عبر الغلاف الجوي العلوي .. بالاضافة لكشف التجارب الصاروخية البالستية السوفيتية من خلال الموجات الصوتية التي تخلقها اثناء تحليقها في الغلاف الجوي العلوي)  .. تقرأون عن مشروع Mogul بتوسع هنا

يتم استقبال صوت الانفجار بشكل موجات صوتية متتالية متصاعدة في شدتها .. الاصوات الضعيفة تأتي اولاً عبر اطول مسارات محور القناة الصوتية لكن بسرعة عالية .. الصوت الاخير هو الاشد و يأتي عبر اقصر المسارات و لكن ابطأها في محور قناة SOFAR .. يمكنكم سماع صوت انفجار تم التقاطه عبر قناة SOFAR من 1000 كم على عمق 700 متر تقريباً .. في هذا الفيديو القصير ..

و باعتبار ان الامريكيين اكتشفوا هذه القناة في الحرب العالمية الثانية .. كان لا بد من استغلالها بما يفيدهم في تلك الحرب .. و كان ذلك بتطوير قنبلة يحملها الطيار من بين معداته لتساعده في تحديد موقع سقوطه و انقاذه ..

 

تم تطوير القنبلة MK 22 ليتم تفجيرها على عمق قناة SOFAR .. من خلال تزويدها بصمام هيدروستاتيكي يتم برمجته ليفجر 1.8 كغ تقريباً من TNT بفعل الضغط على عمق معين بين 500-1200 متر .. و تستغرق القنبلة وقت حتى 5 دقائق تقريباً للوصول لعمق التفجير المطلوب .. بعد انفجار القنبلة تنتشر الموجات الصوتية ذات التردد المنخفض في مياه المحيط عبر القناة الصوتية SOFAR لتصل الى مسافات تصل الى 5000 كم تقريباً الى شبكة محطات الاستقبال SOFAR الموزعة في شواطئ المحيط الهادي .. 

 

و تتكون هذه المحطات من هيدروفونات (سماعات مائية) في مستوى قناة SOFAR و مكبرات صوتية لتضخيم الاصوات و كرونومتر و مراكز تسجيل و تحليل مرتبطة بها .. ليتم تحديد موقع مصدر صوت الانفجار بحسب الوقت الذي استغرقه وصول صوت موجات التفجير عبر قناة SOFAR .. و تكون دقة تحديد الموقع عبر 3 محطات استقبال اقل من 18 كم و تزداد الدقة كلما زادت محطات الاستقبال المتلقية للاشارة .. و يستغرق وصول اشارة الاستغاثة الى محطات SOFAR وقت من 30-60 دقيقة من لحظة تفجير القنبلة .. ليتم توجيه الطائرات او السفن الى موقع الطوارئ عبر محطة التحكم و القيادة التي تتبلغ باشارات الاستغاثة ..

قنبلة MK 22 التي استخدمت كوسيلة للابلاغ عن مواقع الطوارئ عبر تفجيرها في مستوى قناة SOFAR في عمق المحيط MK 22 BOMB
قنبلة MK 22 التي استخدمت كوسيلة للابلاغ عن مواقع الطوارئ عبر تفجيرها في مستوى قناة SOFAR في عمق المحيط

استخدمت السفن هذه الطريقة في البلاغ عن الطوارئ لتفعيل عمليات الانقاذ البحري ايضاً .. بدون تشغيل طرق الاستغاثة اللاسلكية خشية كشف موقع السفينة من قبل اليابان في المحيط الهادي في الحرب العالمية الثانية .. (لا تذكر المواقع الامريكية حوادث محددة .. لكن بعض المواقع تتحدث عن استخدام ناجح لها خلال الحرب) ..


إكتُشِفَ لاحقاً ان مدى انتقال الصوت عبر قناة SOFAR اكبر بكثير مما كان يعتقد .. فقد أجريت تجربة عام 1960 قبالة سواحل بيرث في استراليا .. تم فيها تفجير 130 كغ من مادة TNT على عمق قناة SOFAR و إلتقطت هيدروفونات محطة استقبال بالقرب من برمودا الأصوات الناتجة عن التفجير بعد 3.7 ساعة على بعد 20 ألف كم تقريباً ..


استخدمت قناة SOFAR لاحقاً في مجال دراسات علمية مدنية .. خاصة في مراقبة درجات حرارة المحيطات و ظاهرة الاحتباس الحراري و غيرها من التطبيقات المدنية ..

 

كما تم تطوير نظام SOFAR العسكري الى نظام استخبار صوتي في المحيطات لكشف الغواصات السوفييتية .. و هو النظام SOSUS .. و تقرأون عنه بتفصيل هنا ..

0/تعليق/التعليقات