![]() |
صورة لـ عاموس ليفينبرغ اثناء مقابلته عام 2016 و صورته اثناء الاسر في الجولان 1973 .. (الصور من مقابلة القناة الاسرائيلية الثانية مع عاموس ليفينبرغ) |
في 3 اكتوبر تشرين الاول 1973 .. و بشكل روتيني تم نقل ضابط استخبارات اسرائيلي الى مرصد جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل (كقائد له) حيث يوجد فيه محطة تجسس و استخبار الكتروني اسرائيلية متطورة جداً بتجهيزات متقدمة معظمها امريكية الصنع .. يمكنها كشف مطار دمشق الدولي و اظهاره و كأنه لا يبعد سوى امتار .. و يمكنها الاستخبار الالكتروني على سورية و العراق ..
لم يكن احتمال حصول حرب وارداً حينئذٍ لدى القيادة الاسرائيلية .. و لكن السوريين و المصريين كانوا على بعد 3 ايام من شن حرب مشتركة على اسرائيل .. و كان ضمن اهداف السوريين الاولى في الجولان تحرير مرصد جبل الشيخ .. و قد تم ذلك في الساعات الاولى من الحرب بعملية عسكرية سريعة متقنة نجح خلالها مغاوير الجيش السوري من تحرير المرصد و الاستيلاء على المعدات الالكترونية فيه و فكها و نقلها الى دمشق بالمروحيات .. و قتل و أسر الجنود الاسرائيليين الذين كانوا في المرصد .. و من بينهم تم أسر ضابط الاستخبارات الاسرائيلي الذي كان نقل إليه قبل 3 ايام من الهجوم ..
كان ذلك الضابط هو الملازم أول عاموس ليفينبرغ ضابط الوحدة 848 (التي تحول اسمها حالياً الى الوحدة 8200) اهم وحدة استخبارية في الجيش الاسرائيلي في العام 1973 (و لا تزال اهم وحدة استخبارية فيه) .. الذي يتقن اللغة العربية باللهجات السورية و المصرية و الفلسطينية .. كان اختصاصه ضابط استخبارات شبكة و من مهامه تحليل و معالجة المعلومات الاستخبارية التي تصل له من مصادر متعددة و تقديمها بشكل تقارير ..
يجمع قادة عاموس ليفينبرغ و زملائه على وصفه انه ذو ذاكرة استثنائية و ذكاء عبقري و فضول كبير لمعرفة و حفظ المعلومات لدرجة انه كان يحفظ كم غير معقول من المعلومات المطلوب لعمله في الوحدة 848 و معلومات من الوحدات الاستخبارية و العسكرية الاخرى في الجيش الاسرائيلي و حتى المعلومات العامة عن زملائه و قادته (مثل ارقام لوحات سياراتهم و ارقام هواتفهم) ..
بعد معرفة العميد يوئيل بن بورات قائد الوحدة 848 بسقوط مرصد جبل الشيخ تمّنى ان يكون عاموس ليفينبرغ من بين القتلى و ان لا يكون أسيراً .. و عندما بدأت المعلومات تصل الى الوحدة 848 من مصادر مختلفة بخصوص اسماء الاسرى لدى الجيش السوري كان بين تلك الاسماء عاموس ليفينبرغ .. و يعلق العميد يوئيل بن بورات انه حين سمعنا بالخبر "نتفنا شعرنا" .. لأننا نعرف قدراته و ما كان يعرفه .. و لاننا نعرف شخصيته و جنونه قدرنا أنه سيتحدث في الاستجوابات ..
حاييم توليدانو .. احد الكتّاب الاسرائيليين المؤرخين للاحداث الامنية و العسكرية يذكر في وصفه لمدى معرفة عاموس ليفينبرغ و اطلاعه : ان قادته أدركوا ذاكرته الهائلة وفضوله الذي لا ينضب و غالباً ما شاركوه المعلومات و الوثائق التي كان من المفترض أن تكون سرية بالنسبة له .. كان ليفينبرغ ضابطاً موهوباً و فضولياً و كان يعرف كل التفاصيل تقريباً عن المخابرات الإسرائيلية و عرف تفاصيل كثيرة منها تفاصيل شخصية لمعظم رؤساء الأجهزة السرية ..
يذكر عاموس ليفينبرغ انه شاهد اثناء نقله من مرصد جبل الشيخ كيف تهرب الطائرات الاسرائيلية باتجاه طبريا و المطلة و تلاحقها صواريخ ارض جو سوريّة و تسقطها .. و يقول : كان لدي شعور ان البلاد قد انهارت ..
حسب ما يذكره أيضاً انه اجبر في التحقيق بتهديد السلاح على الاعتراف انه ضابط استخبارات .. و يقول ان المحققين السوريين اخبروه ان اسرائيل قد انهارت و انهم سينشئون متحف تذكاري للمخابرات الاسرائيلية .. كان مقتنعاً بذلك و لهذا كشف عن كل ما يعرفه من اسرار لهم .. كل ذلك فقط نتيجة الحرب النفسية عليه و بدون اي تعذيب كالذي تعرض له زملائه ممكن كانوا معه في المرصد (حسب ما يقول الاسرائيليين) ..
روفين ياردور (احد قادة الوحدة 8200) يقول : ان عاموس ليفينبرغ شخصية تميل للكلام و قد كشف للمحققيين السوريين الكثير و الكثير من الاسرار لدرجة انهم انفسهم لم يتمكنوا من تدوين كل ما كشفه لهم .. و طلبوا منه ان يكتب بنفسه كل شيء .. (كان التحقيق يجري باللغة العربية التي يتقنها) .. و قد كتب لهم لمدة 4 شهور عن كل ما يعرفه .. (يصف احد الضباط الاسرائيليين سلوك عاموس بالكتابة بنفسه بأنه دائماً ما كان يحب ان يثير اعجاب الاخرين بمعرفته الواسعة .. بما في ذلك آسريه السوريين و لذلك كتب الكثير و الكثير عما يعرفه) ..
يذكر روفين ياردور (احد قادة الوحدة 8200) ان اسرائيل فقدت عملاء مهمين في سورية وقت حرب73 بسبب اعترافات عاموس ليفينبرغ و يقول : "لقد أدركنا بالفعل خلال الحرب أن مصادرنا ضاعت وقد توقفوا عن التواصل معنا" .. و يضيف لقد كان الانجاز السوري عظيماً لدرجة ان ضابطاً سورياً رفيعاً فتح احد خطوط الاتصال الاسرائيلية في سورية (يقصد لعملائهم في سورية) و نقل رسالة سخرية عبره "أننا كشفناكم" ..
و يذكر الاسرائيليين ان نسخ من اعترافات عاموس ليفينبرغ نقلت الى عدد من مخابرات الدول العربية و الاتحاد السوفييتي ..
بعد انتهاء التحقيق معه تم نقله من السجن الانفرادي في سجن المزة الى زنزانة مشتركة مع الاسرائيليين الاخرين بانتظار نقله الى اسرائيل بعد عقد صفقة تبادل اسرى بعد الحرب .. ليفاجأ ان اسرائيل لم تدمر و ان تلك خدعة لاستخراج المعلومات القيّمة منه ..
بعد عودته خضع عاموس ليفينبرغ لتحقيق شامل .. و اصبح واضحاً للاسرائيليين حجم الضرر و المعلومات التي كشفها و الذي دفعهم لتغيير نظام الاستخبارات بأكمله تقريباً .. و طالب يوئيل بن بورات (قائد الوحدة 848) بمحاكمته بتهمة الخيانة و اقترح ايضاً وضعه في غرفة مع مسدس كتلميح له لينهي حياته .. الا ان رئيس الاركان حينها رفض الاقتراحات .. و تم الاكتفاء بفصله من الخدمة و اعتباره مصاب حرب .. و هو ما ازعج الكثير من الاسرائيليين الذين لا يزالون ينقسمون في تقييم ما فعله في احادثيهم عن في مواقع التواصل الاجتماعي .. خاصة بعد ظهوره الاعلامي المفاجئ في 2016 فيما يبدو انها محاولة لاستعطاف الجمهور الاسرائيلي و محو الصورة المخزية عنه لديهم .. حيث حاول في المقابلة اظهار ان سبب ارساله لمرصد جبل الشيخ كان خطأ قيادته عقوبة له .. و لكن إفرايم لابيد (ضابط سابق في الوحدة 8200) قال : "ان هذا ليس فقط غير صحيح بل وقح .. لانه لم يذكر ذلك خلال التحقيقات معه بعد عودته من الاسر" .. و يذكر روفين ياردور (احد قادة الوحدة 8200) ان عاموس "كان سعيداً في المرصد لانه احب العمل و التعمق في المواد هناك" ..
تذكر صحيفة معاريف الاسرائيلي في احد مقالاتها ان عاموس ليفينبرغ بالرغم من انه لم يكن جاسوساً بل جندياً تم أسره و تم تحطيم معنوياته في الاستجواب .. الا انه على رأس القائمة السوداء (التي تضم الجواسيس الذين عملوا للخارج) التي اضرت بأمن اسرائيل حسب قولها ..
تُعرف قصة عاموس ليفينبرغ لدى الاسرائيليين بقصة "ضابط استخبارات الشبكة الواشي" .. و هي القصة التي تُروى لكل جندي في جهاز المخابرات الاسرائيلي لتوضيح أهمية الحفاظ على السرية بين الوحدات المختلفة .. (كون عاموس ليفينبرغ كان مطلعاً حتى على الاسرار من خارج وحدته ما اضر بالامن القومي الاسرائيلي لأكثر من 40 عاماً حسب قولهم) ..
إرسال تعليق