صاروخ DF-21D قاتل حاملات الطائرات ..

MISSILE DF-21D
شاهد العسكريين الصينيين صدمة الانتصار العسكري الامريكي في حرب الخليج 1991 على الجيش العراقي الذي كان يتفوق على الجيش الصيني نفسه ببعض التقنيات .. و كان انتصار التقنيات العسكرية الامريكية سهلاً و بخسائر قليلة تافهة بمقياس تاريخ الحروب .. و كانت تلك الحرب حافز كبير للجيش الصيني للبدء بعملية تحديث شاملة لجيشه و خاصة سلاح الجو .. (كان سلاح الجو الصيني حينها متخلف و لا يزال يشغل نسخ مقلدة من مقاتلات MIG-19 و MIG-21) ..

لكن حرب الخليج لم تكن الصدمة التي دفعت الجيش الصيني ليصل للقوة التي هو عليها اليوم .. فقد كانت الصدمة اقرب من حدوده .. و تحديداً في مضيق تايوان .. عندما قدمت البحرية الامريكيية بمجموعتين من حاملات الطائرات بسفنها الحربية المرافقة .. بالاضافة لمجموعة سفن برمائية دعماً لتايوان تجاه التهديدات الصينية خلال ازمة 1995-1996 .. حينها وجد الجيش الصيني نفسه عاجزاً عن منع البحرية الامريكية من تقديم الدعم لتايوان ..

بعد تلك الصدمة المهينة بدأت ثورة الجيش الصيني الحقيقية لبناء قدراته .. لمنع تكرار التدخل البحري الامريكي في مضيق تايوان او في مناطق نفوذ الصين في البحار القريبة منها مستقبلاً .. في بحر الصين الجنوبي و البحر شرق الصين .. اعتمد الصينيين استراتيجية تحريم بحري A2/AD Anti Access/Area Denial للقضاء على اي تهديد و منعه من الوصول قريباً من مصالحهم .. و بدأت الصين بتطوير الاسلحة التي تضمن تنفيذ هذه الاستراتيجية .. و على رأس هذه الاسلحة تطوير او ابتكار صاروخ مضاد للسفن اقوى من قدرات البحرية الامريكية على صده .. و يضرب من مسافة اكبر من مدى نصف قطر مقاتلات حاملات الطائرات الامريكية .. و كانت النتيجة هو الصاروخ الصيني البالستي متوسط المدى و المضاد للسفن DF-21D ..

بعد تطويره لقب هذا الصاروخ بـ قاتل حاملات الطائرات .. رغم انه لم يقتل اي حاملة و لا سفينة حتى الان .. بل لم يطلق اصلاً ضد اي سفينة في البحر حتى ولو في مناورة تدريبية و كل تجارب اطلاقه كانت ضد هدف في الصحراء الصينية فقط !
MISSILE DF-21D
صور فضائية لما يعتقد انها تجرب صاروخ DF-21D ضد اهداف في البر تمثل حاملات طائرات و سفن .. كما هو موضح
اذاً من اين اتى هذا اللقب المهيب .. و ما هي قدراته التي جعلته يلقب به .. !!؟

الصاروخ DF-21D هو اول صاروخي بالستي مضاد للسفن في العالم ASBM .. تم تطويره من الصاروخ DF-21 البالستي متوسط المدى MRBM العامل بالوقود الصلب و المكون من مرحلتين و الذي يحمل رأس حربي واحد بوزن 600 كغ (تقليدي او نووي) و مدى نسخه البالستية البرية 1700-2150 كم ..

اما مدى النسخة المضادة للسفن DF-21D و التي هي موضوعنا فلا يوجد رقم رسمي صيني و الارقام المتداولة في المواقع العسكرية تذكر ارقام بين 1500-2700 كم و كلها توقعات .. و لكن هناك تقديرات مبنية على تقارير وزارة الدفاع الامريكية و التي ذكرت في تقرير عام 2015 ان مدى الصاروخ يصل حتى 1667 كم عن السواحل الصينية ..

و لكن كيف لصاروخ بالستي ان يكون تهديد لهدف بحري متحرك كحاملة طائرات تبحر بسرعة 30 عقدة (55 كم/ساعة) .. !!؟
و للجواب على هذا السؤال لابد من فهم تكتيك استخدام صاروخ DF-21D او منظومته ككل .. حيث انه يعتمد اولاً على الانذار المبكر عبر مجموعة اقمار صناعية و عبر رادارات "خلف الافق" OTH-B لكشف السفن من مسافة تصل لـ 3000-4000 كم .. و تملك الصين رادارين "خلف الافق" تشكل جزء من منظومة عمل صواريخ DF-21D (هذه الرادارات ترسل موجاتها الى طبقة الايونوسفير في الغلاف الجوي لترتد عنها الى سطح البحر ثم ترتد مرة اخرة الى طبقة الايونوسفير عبر نفس المسار الى الرادار المستقبل محددة وجود اهداف .. و لكنها لا تحدد بدقة الموقع .. بل تعطي انذار بوقت كافي) ..

رادار خلف الافق
نطاق تغطية راداري خلف الافق OTH-B الصينية
بعد الحصول على الانذار بوجود سفن معادية تقترب من منطقة التحريم البحرية .. تبدأ منظومات الاستطلاع و التي تتضمن ايضاً درونـات و مجموعة اقمار صناعية صينية بإسم Yaogan (و تملك الصين 32-35 قمر Yaogan تتنوع بين اقمار استطلاعية مزودة بأجهزة رصد كهربصرية تصور ليلاً و نهاراً و اقمار بقدرات تصوير نهارية فقط و اقمار بقدرات SAR و اقمار بقدرات استخبار ELINT) تبدأ هذه الاقمار بتحديد موقع الاهداف بدقة عالية لتحميلها لصاروخ DF-21D و اطلاقه باتجاه الاهداف .. يقطع الصاروخ جزء من مساره خارج الغلاف الجوي قبل ان ينفصل الرأس الحربي المناور ليتابع مساره الى الارض فوق الهدف بسرعة تصل حتى 10 ماخ و بقدرة مناورة عالية (حسب التقديرات قوة مناورة الرأس الحربي في المرحلة الاخيرة تصل و ربما تتجاوز 25G) .. و خلال فترة منتصف المسار و حتى بعد انفصال الرأس الحربي يستمر تحديث احداثيات الهدف من قبل منظومات الاستطلاع و ارسالها للصاروخ لتصحيح المسار حتى اصابة الهدف ..

(حسب دراسات عسكرية 2015 فإن المدة التي يبقى فيها الهدف خارج متناول الاقمار الصينية Yaogan هي 90 دقيقة في اليوم فقط .. و بعد 2015 اطلقت مجموعة جديدة من الاقمار Yaogan عددها 17 قمر .. اي ان رقم 90 دقيقة اصبح قديماً .. و للعلم ايضاً بعض الاقمار تكون ثلاثة توائم من الاقمار تعمل بطريقة التثليث لتحديد موقع الهدف بدقة خاصة اقمار Yaogan من النوع الاستخباري ELINT و بكل طلعة من هذا النوع يمكن مسح دائرة نصف قطرها 3500 كم .. و بعض الاقمار التوائم الثلاثية من النوع الاستطلاعي المزود بكاميرات كهربصرية)
DF-21D
توضيح لطريقة التثليث لزيادة الدقة في تحديد الموقع
و لكن ما هي قدرات الامريكيين في التصدي لهذا الصاروخ .. هل يعقل انهم لا يستطيعون التصدي له .. !!؟

حتى وقت قريب كان خيار الامريكيين باعتراض صاروخ DF-21D بالصواريخ هو الخيار الاصعب .. فالسفن الحربية الامريكية مزودة بصواريخ SM-3 التي مهمتها التصدي للصواريخ خارج الغلاف الجوي .. و هذا يعني انه ليتم التصدي له بصاروخ SM3 يجب ان يكون صاروخ DF-21D خارج الغلاف الجوي و هذا يكون فقط اثناء مرحلة منتصف المسار .. و مساره خارج الغلاف الجوي قصير .. و لتنجح عملية اعتراضه خارج الغلاف الجوي تتطلب معرفة وقت اطلاق صاروخ DF-21D ليتاح اطلاق صاروخ SM3 قبل ان ينفصل الرأس الحربي و يبدأ مناوراته و دخوله للارض مرة ثانية .. او ان يكون مسار السفينة الحربية المسلحة بـ SM3 تحت مسار الصاروخ DF-21D .. و هذا يحتاج لحظ كبير .. ناهيك انه اذا كان صاروخ DF-21D مزود بأشراك خداعية اثناء مساره خارج الغلاف الجوي سيزيد من صعوبة الاعتراض بشكل كبير حتى لو كانت السفينة الحربية محظوظة و تسير تحت مسار الصاروخ ..

الصاروخ الثاني الذي مهمته اعتراض الصواريخ في البحرية الامريكية هو صاروخ SM2 Block-4 و هو مختص بالاعتراض داخل الغلاف الجوي .. و لكن ليس ضد اهداف تملك قدرة مناورة عالية كصواريخ DF-21D (و التي يمكنها ان تنفذ مناورات 25G تقريباً) ..

ناهيك عن ان السفن المزودة بصواريخ SM-2 Block-4 و SM3 لا يمكنها ان تتعامل مع اهداف كالطائرات الحربية و الصواريخ الجوالة المضادة للسفن التي تحلق قرب سطح البحر و بنفس الوقت تتعامل اهداف بالستية عالية السرعة و مناورة قادمة من الغلاف الجوي للارض .. لذا يجب على بعض السفن ان تتعامل مع التهديدات البالستية و السفن الاخرى تتعامل مع التهديدات الاخرى .. و هذا يعني تخفيض قدرة التصدي و زيادة احتمال نفاذ التهديدات ..

لذا كان الخيار الافضل للامريكيين حينها هو التشويش على رادارات الانذار المبكر خلف الافق الصينية او تدميرها .. او التشويش على الصواريخ اثناء مرحلة منتصف المسار كي لا تتزود بالاحداثيات الدقيقة لاهدافها .. و التشويش البصري بالدخان على الاقمار الصينية اثناء مرورها فوق الاهداف ..

هذه الخيارات كانت الوحيدة الممكنة حتى عام 2016 حيث اعلن الامريكيين عن نجاح صواريخ SM6 Dual I باعتراض "هدف بالستي متوسط المدى معقد" .. بهذه الجملة تم وصف الهدف .. و هذه الجملة تعني ان الهدف هو صاروخ يحاكي DF-21D البالستي المتوسط المدى و المناور .. (صاروخ SM6 Dual I يعتمد اسلوب اعتراض الرأس الحربي المتشظي .. اما باقي صواريخ الدرع الامريكية المضادة للصواريخ التي تعتمد مبدأ hit-to-kill في الاعتراض) ..

و لكن الصينيين لا ينتظرون .. هم ايضاً طوروا نسخة جديدة من الصاروخ DF-21D عام 2018 .. و ذكرت تقارير صينية ان النسخة الجديدة انهت اختبارات ما قبل النشر .. و انها ستكون اقوى بـ 30% من النسخة القديمة .. دون توضيح في اي مجال ستكون هل المدى ام الدقة ام السرعة ام غيرها ..

ليس فقط ذلك .. بل صنعوا صاروخاً جديداً بنفس الدور ASBM و هو صاروخ DF-26 البالستي المضاد للسفن و بمدى ابعد .. حيث يصل مداه حتى 4000 كم (بعض التقديرات تقول ان المدى 5500 كم) .. لقب صاروخ DF-26 بـ Guam Killer قاتل جزيرة غوام الامريكية الاستراتيجية في المحيط الهادي .. و التي تقع ضمن مداه .. و حسب الاعلام الصيني ان صاروخ DF-26 اثبت قدرة على ضرب اهداف متحركة على بعد الاف الكيلومترات خلال تجربته بتاريخ 24-1-2019 .., و اظهرت صور نشرها التلفزيون الصيني بتاريخ 15-4-2018 تجهيز لواء صواريخ DF-26 مجهز بـ 22 قاذف ..
MISSILE DF-26
صورة نشرها التلفزيون الصيني و تظهر 22 قاذف DF-26
MISSILE DF-26
نطاق تغطية DF-26
و بالتأكيد ان استخدام الصاروخ DF-21D سيكون جزء من استراتيجية A2/AD ككل .. و التي تتضمن اسلحة اخرى بينها صواريخ جوالة مضادة للسفن بعيدة المدى كصواريخ YJ-100 و صواريخ مضادة للسفن جوالة اسرع من الصوت .. بالاضافة للاشباع الصاروخي البالستي ضد السفن كتكتيك اثناء استخدام DF-21D لاستنزاف الدرع الامريكية ضد اهداف اخرى عادية .. و من يدري فقد تقوم الصين بتركيب صاروخ DF-21D على غواصاتها مستقبلاً .. خاصة ان صاروخ JL1 الذي كان عاملاً على الغواصات الصينية قبل ان يفكك و تقاعد عام 2018 هو نفسه النسخة البرية من DF-21 ..

كما الصين تغيرت كثيراً عن الصين 1995 فهي تملك قوة بحرية بحاملات طائرات (2 حالياً و ثالثة قيد الانتهاء .. و ستتلح بمقاتلات جيل خامس) تدعمها مدمرات ثقيلة بـ 112 خلية اطلاق و فرقاطات ثقيلة كثيرة و حديثة .. يمكنها الخروج لمواجهة الاسطول الامريكي بعيداً جداً عن المياه الصينية ...

ادناه فيديو يعرض قدرات صاروخ DF-21D

0/تعليق/التعليقات